كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال ابن عباس: إنّ أم موسى لما تقاربت ولادتها وكانت قابلة من القوابل التي وكلهنّ فرعون بحبالى بني إسرائيل مصافية لأم موسى فلما ضربها الطلق أرسلت إليها فقالت قد نزل بي ما نزل فلينفعني حبك إياي اليوم قال فعالجت قبالها فلما أن وقع موسى عليه السلام بالأرض هالها نور بين عيني موسى فارتعش كل مفصل منها ودخل حب موسى قلبها، ثم قالت لها يا هذه ما جئت إليك حين دعوتني إلا ومن ورائي قتل مولودك ولكن وجدت لابنك هذا حبًا شديدًا ما وجدت حب شيء مثل حبه فاحفظي ابنك فإني أراه هو عدوّنا فلما خرجت القابلة من عندها أبصرها بعض العيون فجاءوا إلى بابها ليدخلوا على أمّ موسى فقالت أخته: يا أماه هذا الحرس بالباب فلفت موسى في خرقة ووضعته في التنور وهو مسجور وطاش عقلها فلم تعقل ما تصنع قال فدخلوا فإذا التنور مسجور وأمّ موسى لم يتغير لها لون فقالوا ما أدخل عليك القابلة فقالت هي مصافية لي دخلت عليّ زائرة فخرجوا من عندها فرجع إليها عقلها فقالت لأخت موسى فأين الصبي قالت لا أدري فسمعت بكاء الصبي من التنور فانطلقت إليه وقد جعل الله تعالى النار عليه بردًا وسلامًا فاحتملته.
قال: ثم إنّ أمّ موسى لما رأت إلحاح فرعون في طلب الولدان خافت على ابنها فقذف الله تعالى في نفسها أن تتخذ له تابوتًا صغيرًا فقال: لها النجار ما تصنعين بهذا التابوت قالت: ابن لي أخبؤه في هذا التابوت وكرهت الكذب قال ولم قالت أخشى عليه كيد فرعون فلما اشترت التابوت وحملته انطلقت، انطلق النجار إلى الذباحين ليخبرهم بأمر موسى عليه السلام فلما همّ بالكلام أمسك الله تعالى لسانه فلم يطق الكلام وجعل يشير بيديه فلم يدر ما يقول فلما أعياهم أمره قال كبيرهم اضربوه فضربوه وأخرجوه فلما أتى النجار إلى موضعه ردّ الله تعالى لسانه فتكلم فانطلق أيضًا يريد الأمناء فأتاهم ليخبرهم فأخذ الله تعالى لسانه وبصره فلم يطق الكلام ولم يبصر شيئًا فضربوه وأخرجوه فوقع في واد يهوي فيه فجعل لله عليه أن ردّ لسانه وبصره أن لا يدل عليه وأن يكون معه يحفظه حيثما كان فعرف الله تعالى منه الصدق فردّ عليه لسانه وبصره فخرّ لله ساجدًا فقال يا رب دلني على هذا العبد الصالح فدل عليه فخرج من الوادي وآمن به وصدّقه وعلم أنّ ذلك من الله عز وجل.
وقال وهب بن منبه: لما حملت أم موسى بموسى كتمت أمرها عن جميع الناس فلم يطلع على حبلها أحد من خلق الله وذلك شيء ستره الله لما أراد أن يمنّ به على بني إسرائيل فلما كانت السنة التي يذبح فيها بعث فرعون القوابل وتقدّم إليهنّ وفتشن تفتيشًا لم يفتش قبل ذلك وحملت أمّ موسى فلم تكبر بطنها ولم يتغير لونها ولم يظهر لبنها وكانت القوابل لا يتعرّضن لها فلما كانت الليلة التي ولد فيها ولدته ولا رقيب عليها ولا قابلة ولم يطلع عليها أحد إلا أخته مريم فلما خافت عليه عملت له تابوتًا مطبقًا ثم ألقته في البحر ليلًا.
{فالتقطه} بالتابوت صبيحة الليل {آل} أي: أعوان {فرعون} فوضعوه بين يديه، قال ابن عباس وغيره: كان لفرعون يومئذ بنت ولم يكن له ولد غيرها وكانت من أكرم الناس عليه وكان لها كل يوم ثلاث حاجات ترفعها إلى فرعون وكان بها برص شديد وكان فرعون قد جمع لها أطباء مصر والسحرة فنظروا في أمرها فقالوا له أيها الملك لا تبرأ إلا من قبل البحر يوجد فيه شبه الإنسان فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرأ من ذلك، وذلك في يوم كذا وساعة كذا حين تشرق الشمس فلما كان يوم الاثنين غدا فرعون إلى مجلس له على شفير النيل ومعه امرأته آسية بنت مزاحم وأقبلت ابنة فرعون في جواريها حتى جلست على شاطئ النيل مع جواريها تلاعبهنّ وتنضح الماء على وجوههنّ إذ أقبل النيل بالتابوت تضربه الأمواج فقال فرعون إنّ هذا لشيء في البحر قد تعلق بالشجر فائتوني به فابتدروه بالسفن من كل جانب حتى وضعوه بين يديه فعالجوا فتح الباب فلم يقدروا عليه وعالجوا كسره فلم يقدروا عليه فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نورًا لم يره غيرها فعالجته ففتحت الباب فإذا هي بصبي صغير في مهده وإذا نور بين عينيه وقد جعل الله تعالى رزقه في إبهامه يمصه لبنًا فألقى الله تعالى لموسى المحبة في قلب آسية وأحبه فرعون وعطف عليه وأقبلت بنت فرعون فلما أخرجوا الصبي من التابوت عمدت بنت فرعون إلى ما يسيل من ريقه فلطخت به برصها فبرأت فقبلته وضمته إلى صدرها فقالت الغواة من قوم فرعون أيها الملك إنا نظنّ أنّ ذلك المولود الذي تحذر منه من بني إسرائيل هو هذا، رمي به في البحر فرقًا منك فاقتله فهمّ فرعون بقتله فقالت آسية قرّة عين لي ولك واستوهبت موسى من فرعون وكانت لا تلد فوهبه لها، وقال فرعون أما أنا فلا حاجة لي فيه.
وفي حديث قال رسول صلى الله عليه وسلم «لو قال يومئذ هو قرّة عين لي كما هو لك لهداه الله كما هداها» قال الزمخشري: وهذا على سبيل الفرض والتقدير أي: لو كان غير مطبوع على قلبه كآسية لقال مثل قولها ولأسلم كما أسلمت هذا إن صح الحديث تأويله والله أعلم بصحته انتهى، ثم قال لآسية ما تسميه قالت سميته موسى لأنا وجدناه في الماء والشجر فمو هو الماء وسى هو الشجر فذلك قوله تعالى: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوًّا} أي: يطول خوفهم منه بمخالفته لهم في دينهم وحملهم على الحق وقتل رجالهم {وحزنا} أي: بزوال ملكهم لأنه يظهر فيهم الآيات التي يهلك الله تعالى بها من يشاء منهم ويستعبد نساءهم ثم يظفر بهم حتى يهلكهم الله تعالى بالغرق على يده إهلاك نفس واحدة فيعم الحزن والنواح أهل ذلك الإقليم كله تنبيه: في هذه اللام الوجهان المشهوران أحدهما: أنها للعلة المجازية دون الحقيقية لأنهم لم يكن داعيهم إلا الالتقاط أن يكون لهم عدوًّا وحزنًا ولكن المحبة والتبني غير أنّ ذلك لما كان نتيجة التقاطهم له وثمرته شبه بالداعي الذي يفعل الفاعل الفعل لأجله وهو الإكرام الذي هو نتيجة المجيء والتأدّب الذي هو ثمرة الضرب ليتأدّب، وتحريره أنّ هذه اللام حكمها حكم الأسد حيث استعيرت لما يشبه التعليل كما استعير الأسد لمن يشبه الأسد، والثاني: أنها للعاقبة والصيرورة لأنهم لم يلتقطوه ليكون لهم عدوًّا وحزنا ولكن صار عاقبة أمره إلى ذلك.
وقرأ حمزة والكسائي: بضمّ الحاء وسكون الزاي، والباقون بفتحهما وهما لغتان بمعنى واحد كالعدم والعدم، ثم بين تعالى أنّ هذا الفعل لا يفعله إلا أحمق مقهور أو مغفل مخذول لا يكاد يصيب بقوله تعالى: {إنّ فرعون وهامان} وزيره {وجنودهما} أي: كلهم على طبع واحد {كانوا خاطئين} أي: في كل شيء فلا بدع منهم أن قتلوا ألوفًا لأجله ثم أخذوه يربونه ليكبر ويفعل بهم ما كانوا يحذرون، أو مذنبين فعاقبهم الله تعالى بما ربى عدوّهم على أيديهم.
وقال وهب: لما وضع التابوت بين يدي فرعون فتحه فوجد فيه موسى فلما نظر إليه قال كيف أخطأ هذا الغلام الذبح وكان فرعون قد استنكح امرأة من بني إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم وكانت من خيار النساء ومن بنات الأنبياء عليهم السلام وكانت أمًا للمساكين ترحمهم وتتصدّق عليهم وهي المذكورة في قوله تعالى: {وقالت امرأت فرعون} أي: له وهي قاعدة لجنبه هذا الوليد أكبر من ابن سنة وإنما أمرت أن تذبح الولدان لهذه السنة فدعه {قرّة عين لي} أي: به {ولك} أي: يا فرعون لأنهما لما رأياه أخرج من التابوت أحباه، وروي أنها قالت إنه أتانا من أرض أخرى ليس من بني إسرائيل، ولما أثبتت له أنه ممن تقرّ به العيون قالت {لا تقتلوه} أي: لا أنت بنفسك ولا أحد ممن تأمره بذلك، ثم عللت ذلك واستأنفت بقولها {عسى أن ينفعنا} ولو كان له أبوان معروفان فإنّ فيه مخايل اليمن ودلائل النفع وذلك لما رأت من النور بين عينيه وارتضاعه من إبهامه لبنًا وبرئه البرصاء بريقه {أو نتخذه ولدًا} أي: إذا كان لم يعرف له أبوان فيكون نفعه أكثر فإنه أهل لأن تتشرّف به الملوك.
تنبيه:
التاء في قرّة عين مجرورة، وقف عليها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بالهاء، والباقون بالتاء وهي خبر مبتدأ مضمر أي: هو قرّة عين، والعامّة من القراء والمفسرين وأهل العلم على ذلك.
ونقل ابن الأنباري بسنده إلى ابن عباس أنه وقف على لا، أي: هو قرّة عين لي فقط ولك لا أي: ليس هو لك قرّة عين ثم يبتدئ بقوله تقتلوه، وقال ابن عادل: وهذا لا ينبغي أن يصح عنه وكيف يبقى تقتلوه من غير نون رفع ولا مقتض لحذفها فلذلك قال الفراء: هو لحن.
وقوله تعالى: {وهم لا يشعرون} جملة حالية من كلام الله تعالى أي: لا شعور لهم أصلًا لأنّ من لا يكون له علم إلا باكتساب فكيف إذا كان مطبوعًا على قلبه وإذا كانوا كذلك فلا شعور لهم بما يئول إليه أمرهم معه من الأمور الهائلة المؤدّية إلى هلاك المفسدين، وقيل: إنّ ذلك من كلام امرأة فرعون كأنها لما رأت ملأه أشاروا بقتله قالت له افعل أنت ما أقول لك وقومك لا يشعرون أنا التقطناه، قال الكلبي ولما أخبر الله تعالى عن حال من لقيه أخبر عن حال من فارقه بقوله تعالى: {وأصبح} أي: عقب الليلة التي حصل فيها فراقه {فؤاد أمّ موسى} أي: قلبها الذي زاد احتراقه شوقًا وخوفًا وحزنًا وهذا يدل على أنها ألقته ليلًا، واختلف في معنى قوله: {فارغًا} فقال أكثر المفسرين: خاليًا من كل همّ إلا من همّ موسى عليه السلام، وقال الحسن: أي: ناسيًا للوحي الذي أوحاه الله تعالى إليها حين أمرها أن تلقيه في البحر ولا تخاف ولا تحزن والعهد الذي عهد أن يرده إليها ويجعله من المرسلين فجاءها الشيطان وقال: كرهت أن يقتل فرعون ولدك فيكون لك أجره وثوابه وتوليت أنت قتله فألقيتيه في البحر وأغرقتيه.
وقال الزمخشري: أي: صفرًا من العقل والمعنى أنها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها لما دهمها من فرط الجزع والدهش ونحوه قوله تعالى: {وأفئدتهم هواء}.
أي: جوف لا عقول فيها وذلك أنّ القلوب مراكز العقول ألا ترى إلى قوله تعالى: {فتكون لهم قلوب يعقلون بها}.
وقوله تعالى: {إن} هي المخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي: إنها {كادت} أي: قاربت {لتبدي} أي: يقع منها الإظهار لكل ما كان من أمره مصرّحة {به} أي: بأمر موسى عليه السلام من أنه ولدها، وقال عكرمة: عن ابن عباس كادت تقول والله إبناه، وقال مقاتل لما رأت التابوت يرفعه موج ويضعه آخر خشيت عليه الغرق فكادت تصيح من شفقتها، وقال الكلبي: كادت تظهر أنه ابنها حين سمعت الناس يقولون لموسى بعدما شب موسى بن فرعون فشق عليها فكادت تقول هو ابني، وقيل إنّ الهاء عائدة إلى الوحي أي: كادت لتبدي بالوحي الذي أوحى الله تعالى إليها أن يردّه عليها وجواب.
{لولا أن ربطنا} محذوف أي: لا بدت به كقوله تعالى: {وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه}.
والمعنى لولا أن ربطنا {على قلبها} بالعصمة والصبر والتثبت وقوله تعالى: {لتكون من المؤمنين} متعلق بربطنا أي: من المصدقين بوعد الله تعالى وهو قوله تعالى: {إنا رادوه إليك} ثم أخبر تعالى عن فعلها في تعرّف خبره بعد أن أخبر عن كتمها بقوله تعالى: {وقالت} أي: أمّه {لأخته} أي: بعد أن أصبحت على تلك الحالة قد خفي عليها أمره {قصيه} أي: اتبعي أثره وتشممي خبره برًا وبحرًا ففعلت {فبصرت} أي: أبصرت {به عن جنب} أي: مكان بعيد اختلاسًا {وهم لا يشعرون} جملة حالية ومتعلق الشعور محذوف أي: أنها أخته وأنها ترقبه بل هم في غاية الغفلة التي هي في غاية البعد عن رتبة الإلهية أو أنها تقصه، أو أنه سيكون لهم عدوًّا وحزنًا، ثم ذكر تعالى أخذ الأسباب في ردّه بقوله تعالى: {وحرّمنا} أي: منعنا بعظمتنا {عليه المراضع} جمع مرضعة وهي من تكتري للإرضاع من الأجانب أي: حكمنا بمنعه من الارتضاع منهنّ فاستعير التحريم للمنع لأنه منع فيه رحمة، قال الرازي في اللوامع: تحريم منع لا تحريم شرع {من قبل} أي: من قبل أن تأمر أمّه أخته بما أمرتها به، أو قبل قصها أثره أو قبل ولادته في حكمنا وقضائنا وهو أنه تعالى غير طبعه عن لبن سائر النساء فلذلك لم يرتضع أو أحدث في لبنهنّ طعمًا ينفر عنه طبعه أو وضع في لبن أمّه لذة تعوّد بها فكان يكره لبن غيرها، فلما رأت أخت موسى التي أرسلتها أمّه في طلبه أنه لا يقبل ثدي امرأة وفي القصة أنّ موسى مكث ثمان ليال لا يقبل ثديًا ويصيح فقالوا لها هل عندك مرضعة تدلينا عليها لعله يقبل ثديها، قال ابن عباس: أنّ امرأة فرعون كان همها من الدنيا أن تجد له مرضعة فكلما أتوه بمرضعة لم يأخذ ثديها، فدنت أخته منه بعد نظرها له {فقالت} لما رأتهم في غاية الاهتمام برضاعه {هل} لكم حاجة في أني {أدلكم على أهل بيت} ولم تقل على امرأة لتوسع دائرة النظر {يكفلونه لكم} أي: يأخذونه ويتولونه ويقومون بجميع مصالحه من الرضاع وغيره لأجلكم ثم أبعدت التهمة عن نفسها فقالت هي امرأة قتل ولدها فأحب شيء إليها أن تجد صغيرًا ترضعه ثم زادتهم رغبة بقولها {وهم له ناصحون} أي: ثابت نصحهم له لا يغشونه نوعًا من الغش، قال البغوي: والنصح ضدّ الغش وهو تصفية العمل من شوائب الفساد، قال السدي: لما قالت ذلك أخذوها وقالوا قد عرفت هذا الغلام فدلينا على أهله فقالت ما أعرفه وقالت إنما أردت وهم للملك ناصحون فتخلصت منهم بذلك.